الأربعاء، 10 أبريل 2013

صورة الكاهن في السينما الراعيّ، الشهيد - أوسكار روميرو




بقلم الأب أوليفر بورغ أوليفيه اليسوعيّ

نقلته إلى العربيّة جانيت رزق











«روميرو»، فيلم عن السيرة الذاتيّة لرئيس أساقفة السلفادور الشهيد أوسكار روميرو. ظهَر الفيلم عام 1989، وهو مِن إنتاج «التصوير البولسيّ» (برعاية جمعيّة آباء القدّيس بولس)، ويهدف الفيلم إلى تقديم السنوات الأخيرة مِن حياة البَطل الشهيد روميرو والتعريف عنه لجمهورِ الولايات المتّحدة وأوروبا. أصبح روميرو جزء من التاريخ السياسيّ والدينيّ في أمريكا الوسطى. لكنّ الفيلم لم يُوزّع على نِطاقٍ واسع، وبالتالي فإنّه لم يحصُد نجاحًا على الصعيد الاقتصاديّ. بشكلٍ عام، طالَت الانتقادات بعض جوانب الفيلم، ولكنّها كانت راضية جدًا عن الطريقة التي قدّم بها البطل روميرو، وبهذا المعنى حقّق الفيلم هدفه.
ركّز الناقدون بشكلٍ خاص على الأدوار الثانويّة،  والطبيعة السياسيّة للفيلم، والجوّ المظلم للفيلم بشكلٍ عام. وجاء انتقاد الشخصيّات الثانويّة للفيلم مُحقّ بالقول على أنّها لم تضيف شيئًا إلى الفيلم، لأنّ وجودها هو مِن أجل إبراز شخصيّة روميرو والتغيّيرات التي طرأت عليها فقط. وهذا في الحقيقة ما قامت به الشخصيّات الثانويّة. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الشخصيّات الثانويّة على إظهار رسائل سياسيّة واجتماعيّة أراد المخرج إبرازها. روميرو هو مِحور الفيلم، ولكِن كصوت سياسيّ يبقى مُحايدًا حتّى النهاية. الشخصيّات الثانويّة مِثل الأب روتيليو غراندي، والملازم كولوما والسيّدة زيلادا لديهم مهمّة إظهار التناقُض بَين الخَير والشرّ، وإيصال الرسائل السياسيّة والاجتماعيّة التي سيتمّ مناقشتها في وقتٍ لاحق.
وقد انتُقِد الفيلم أيضًا على أنّه تجاهَل الوضع السياسيّ المعقّد في السلفادور، كما تمّ تجاهل التدخّل الأمريكيّ في الصِراع في السلفادور. هذه الانتقادات مُحقّة، لكنّها لم تأخذ بعين الإعتبار أنّ الفيلم لا يهدِف إلى التركيز على العُنف في السلفادور (كما في فيلم «سلفادور» لأوليفر سْتون [1986])، ولكن على المونسنيور روميرو. وعلى الرغم من أنّه كان بإمكان الفيلم أن يصِف المزيد من هذه الحالات، لكن إعطاء أهميّة أكبَر للعُنف يَعني إعطاء وقت أقلّ لوصف شخصيّة روميرو، لأنّ الفيلم بمُجمله لا يستغرق سوى 102'.
من الواضح في رأيّي أنّ مشكلة الفيلم الرئيسيّة هوَ أنَّه لَم يتمّ إنتاجه وكتابته وإخراجه مِن قِبل إحدى شركات هوليوود الكبرى. في فيلم روميرو مقاطِع جيّدة جدًا والرسالة التي يمرّرها إيجابيّة ولكِن هناك أيضًا الكثير مِن المشاهد غَير الضروريّة التي لا تُضيف شيئًا على الفيلم.
الانتقاد الأخير، الذي يتّفق عليه عدّة نقاد، هو أنّ الفيلم يقدّم واقِعًا مُظلمًا جدًا، ويُبَين سِلسلة مُتواصلة مِن الأحداث الرهيبة. إنها قصّة حزينة، ولكنّ الواقع كان حزينًا ويتّسم بالعنف لذلك إنّ إرادة إضفاء بَعض المَشاهد الخفيفة المُسليّة بأيّ ثمن يحطّ، في رأيّي، مِن قوّة الفيلم. ويقول الناقِد السينَمائي الكبير روجر ايبرت في تقييمه «الفيلم لا يُثير الكثير مِن المشاعر، ويبدو حزينًا أكثَر مِنه ساخِطًا» على أنّني لستُ متأكّدًا مِن موافَقته الرأيّ.
يُظهِر الفيلم بشكل جيّد التغيير الذي حدَث لروميرو خلال السنوات الثلاث الأخيرة مِن حياته (الفترة التي يغطّيها الفيلم). وقد تمّ اختياره رئيسًا لأساقفة السلفادور لأنّ الجميع كانوا مُقتنعين بأنّ هذا الرجل المُحِبّ للكُتب خَجول ولَن يؤذي أحدًا مِثلما نرى في بداية الفيلم. ولكن مواجهة واقع العُنف في السلفادور جَعلت لاهوته وخطابه يتغيّران بشكلٍ دراميّ. وعلى الرُغم مِن أنّنا نرى الكثير مِن مشاهد العُنف في الفيلم، لكِن واقع السلفادور في ذلك الوقت كان أشدّ عُنفًا.

النقص الجدّي  في الفيلم هو أنّه لا يُعطي مساحةً كافيةً لتعاليم روميرو. على الرُغم مِن وجود العديد مِن أقواله المُباشرة المُتّخذة مِن خطاباته والبرامج الإذاعيّة التي استَضافته، لكِن ليس هناك أيّ إشارة واضحة إلى لاهوت التحرير، في حين أنّ المسألة كانت مُستجدّة وآنيّة في ذلك الوقت. ربّما لأنّ جمعيّة القدّيس بولس لم ترِد أن تواجه تحّديًّا مع مجمع العقيدة والإيمان في الفاتيكان. صحيح أنّنا نقرأ تلك المسألة ما بَين السّطور ومن خلال اختيار بعض الشخصيّات الثانويّة، ولكنّ المُنتجين والمُخرج أرادوا بوضوح تجنّب مسألة لم تكُن تحظى بشعبيّة لدى السلطات في الفاتيكان وحكومة الولايات المتّحدة. الكلمة التي ألقاها قَبل وقتٍ قصيرٍ مِن وفاته، والموجّهة إلى العسكريّين كما الظروف التي أدّت إلى وفاته هي وفيّة جدًا لحقيقة ما جرى.

الغرض الرئيسيّ من الفيلم هو تقديم حياة المُطران أوسكار روميرو، لكنّ هناك العديد مِن الرسائل الاجتماعيّة والسياسيّة الهامّة التي نقلها الفيلم. إحدى أوضح الرسائل هي التأثير الرهيب للعُنف الذي يدمّر المجتمع.  لم يَعتمد روميرو لاهوت التحرير في الفيلم لكنّه يتحدّث في كلّ المشاهد تقريبا عن شرور العنف ويشدّد على ضرورة وقفِه بأيّ ثمن. ويُشير إلى أنّ الفقر هو العامل الرئيسيّ المُسبّب للعُنف. ويُبيِّن الفيلم العُنف لدى الفريقين: الدولة والمتمرّدين. ويظهر المخرج أنّ الردّ على العُنف بالعنف يُمكن أن يَخلق دوّامة تتردّد لتخلِق المزيد مِن العُنف.
واحد مِن أقوى وأهمّ المَشاهد في الفيلم، دون شكّ، هو عندما نراه يرفُض تَرك مكتب رئيس الجمهوريّة قَبل أن يُعرب عن استيائه مِن المَجازر والعُنف والتعذيب الذي يقوم بهِم الجيش. وهناك مشاهد قويّة أخرى، منها:  حين يذهب إلى السجن لإطلاق سراح الكَهنة المسجونين والمُنكّل بهِم. والمشهد الذي يدخُل فيه إلى الكنيسة المحتلّة مِن قِبل الجيش ليأخُذ القربان المقدّس ويَحتفل بالذبيحة الإلهيّة على الرُغم مِن التهديدات والأعيرَة الناريّة.
فأيّ صورة للكاهن، يقدّم لنا هذا الفيلم؟ صورة إيجابيّة، إن كان بالنِسبة لصورة رئيس الأساقفة أوسكار روميرو أو صورة الأب روتيليو غراندي أو صورة الكَهنة الآخرين الذين سُجِنوا وعُذّبوا لأنّهم تجرّأوا على الدفاع عن حقوق الفقراء. روميرو هوَ الراعيّ الصالح الذي يتعلّم  كيفَ يعرِف خرافه ويُعطي حياته مِن أجلِهم، لتكون لهُم الحريّة. كان القربان المقدّس مِحور حياته، وخلال احتفاله بالقربان المقدّس بذَل ذاته بكليّتها مِن أجل رعيّته.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق