الأربعاء، 20 مارس 2013

قصّة ثواني

 
بقلم الأب أولفر بورغ أوليفيه
نقلته إلى العربيّة يارا شُعاع أبو حديد


إخراج: لارا سابا
تاليف: نبال عرقجي
مدّة العرض: 92 دقيقة
فيلم لبنانيّ










يتناول فيلم قصّة ثواني، الفيلم الأوّل للمخرجة لارا سابا، قصّة ثلاثة أشخاصٍ يعيشون في بيروت من ثلاث خلفيّات إجتماعيّة مختلفة تتقاطَعُ أقدارَها. ولكِن كمَا يُشيرُ العنوان باللّغةِ الإنكليزيةِ "المَعَابِر العميَاء"، والسؤَال هو: "هل من قبيل المصادَفَة؟ هل هو القَدَر؟ هل هذا نتيجة الإختيارات؟". و"قِصَّة الثواني" العُنوان العربيّ، قد يبيّن لنا أنّ الإختيار اللّحظي يُمكن أن يُحدِث خَلَلاً في حياةِ العديد من الناس.
يتناولُ الفيلم بدايَةً قِصّة نُور، طالبَة شابَّة فقَدَت أهلَها في حادثِ سيَّارة. ثمَّ نرى إنْديَا التّي تملك كلّ ما تَحْلُم به إمرأة لتكونَ سعيدةً باستثناءِ طفل. ثمّ مروان إبن الـثانية عشر عاماً، البارِع في المدرسة، يعيش مع أمٍّ مُدمِنةٍ على الكحولِ وسيّئَة السمعة، تَستَقبِل رِجالًا في منزلِها يتعرّضون لابنها بالأَذَى.
الفيلم مأسّاويّ، يبيّن لنا المآسي التي يعيشها أبطالُ الرِوايَة، بشجاعةٍ. يدخلُ الفيلم إلى عالمِ هذِهِ الشخصِيّات والمشاكل التي يتعرّضونَ لها، في مجتمعِنا اللبنانيّ، التي بالنسبةِ للكثيرِ من الأَشخاص هيَ مِن المُحَرّمات: الدّعارة، المخدّرات، الأذى الجنسي للأطفالِ وحقيقة أطفال الشوارع. نظرةُ الفيلم لهذا الواقِع ليسَت تساهُل ولا حُكْم، إنّه يُقَدِّم لنا الحقائق ويسمح للمشاهد بإبداءِ ردّةَ فِعل.
تَسْتَخدِمُ لارا سابا لُغَةَ السينِما الواقعيّة الجديدة الإيطاليّة بعد الحرب، كأفلام روسّوليني، دو سيغا، فيسكونتي وزافاتيني. بهذا، تقدِّمُ لنا صورةً حقيقيةً عن واقِعِ الحياة في بيروت، صورة لا تُعْجِب الجَميع، كونَها تُظْهِرُ حياةَ مجتمعٍ مليءٍ بالتناقضاتِ مِن خِلال واجهة جميلة، بسيطة، حديثة، تخفي وراءَها الفُقرَ والبؤس ومعاناةً إنسانيّةً عميقةً.
بعدَ أنْ عمِلتُ لسنوات مع أطفال الشوارع، أذهَلتني المعرفة العميقة لهذه البيئة كما يبيّن الفيلم، وبالتالي الأبحاث الجادّة التي سبقت إطلاق الفيلم. تتطوّر حياة الشخصيّات الثلاث الرئيسيّة بشكلٍ متوازي، لا يَظهر التقاطُع بينها سوى في النهاية وهذا التأثير يذكّرني بفيلمٍ آخر ظهَرَ قبلَ بضعِ سنواتٍ وهو "بابِل" للمخرج أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، الذي يروي حياةَ أشخاصٍ من المغرب واليابان والولايات المتّحدة والمكسيك. ويبيّن هذا الفيلم كيفَ تتقاطَع حياة هؤلاءِ الأشخاص أيضًا وكيف يمكن لحادثٍ واحدٍ، فعل "لحظيّ"، (حادث إطلاق نار من قِبَل مراهق) أن يمسّ حياةَ الشّخص.  
أحداث حياة الأشخاص الثلاثة، في الفيلم، ذات تحوّلاتٍ مأساويّةٍ. بسَبَبِ وفاة والدَيْها، نور كانَت على وَشكِ أن تترُكَ دِراستَها وأن تفقُدَ الشّقة التي تعيش فيها مع جدّتها المَريضَة. ثمّ لجَأَت إلى الدعارةِ لإيفاءِ ديونها. في النهاية، حبِلَتْ إنْديا بَعْدَ عِدَّة محاولاتٍ باءَتْ بالفشلِ، فَقَدَت وَلَدَها كاللّص الذي يحاولُ سِرقَة حقيبة. لم يعُد مروان يريد التعرّض للأذى الجنسّي والضرب والذلّ الذي كان يتعرّض له من قِبَل والدتَه، فهرَبَ من المنزلِ وانضمّ إلى مجموعةٍ منَ الشُبّانِ المُدمنينَ على المخدّراتِ والّلصوص. يُمكِن للمرءِ أن يتساءَل إنْ كان الفيلم غيرَ تشاؤميّ لحدٍّ كبيرٍ. شخصيًّا، أعتقدُ أنّه غير تشاؤميّ؛ إنّما هو فيلم واقعيّ إلى أبعدِ الحدود. بالنّظر جيّدًا إلى الفيلم نجدُ شخصيّات متفائلة، إنْديَا وعملها كمدرّسة، الذي تحبُّه كثيرًا، مُدَرِّس مروان الذي يهتمّ به والذي يسعى للقاءِ والدته. ولاسيّما الطبيب الذي التَقى كلّ أبطال الفيلم والذي أظهرَ بُعدًا إنسانيًّا رائعاً. يشرحُ لمروان أنّه أيضًا كان طفلًا مُهْمَلًا ومُتَمَرِّدًا، لَكِنْ بفَضلِ مساعدة شخصٍ ما استطاع سلوك الطريق الصحيح وأصبح طبيباً.
الممثّل الشاب علاء حمّود، الذي لعب دور مروان، نالَ جائزةَ أفضل ممثِّل في مهرجان الأفلام المُستقِلّة، حيثُ عُرِضَ الفيلم في حفلِ الإفتتاح. الفيلم الذي بالتأكيد يستحقُّ المشاهدة ويثيُر التفكير لا يمكن تجاهله.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق