الجمعة، 22 فبراير 2013

حياة «باي»




بقلم الأب أوليفر بورج أوليفييه اليسوعيّ
نقلته إلى العربيّة جانيت رزق







Director: Ang Lee
Starring: Suraj Sharma, Irrfan Kahn, Gérard Depardieu
Release date: 20 December 2012
Certificate: (127 mins)





ليس من السهل إطلاقًا أن يحوّل عمل أدبيّ إلى السينما، وأولئك الذين يقومون بهذه المغامرة نادرًا ما ينجحون، وأعتقد أنّ « آنج لي» هو واحد من أولئك المخرجين القلائل الذين كسبوا هذا الرهان.


«حياة باي» هي مغامرة رائعة، دراما ترتكز على رواية تحمل العنوان نفسه كتبها الكاتب الكندي «يان مارتل». وقد حازت الرواية على «جائزة  الرجل الكاتب» في العام 2002،  وهي جائزة أدبية مهمّة جدًّا. وقد قدّم لنا وآنغ لي، مخرج الفيلم، سلسلة من الأفلام الجيدة من بينها «جبل بروكباك» الذي نال العديد من الجوائز.
تروي القصّة مغامرة فتى هندي شابّ، يدعى بيسين موليتور باتل «باي»، استطاع أن يبقى على قيد الحياة 227 يومًا في قارب للنجاة انزلته السفينة التي كان على متنها بعد هبوب عاصفة رهيبة أغرقت السفينة في المحيط الهادئ. ويشاركنا باي كيف عاش أيّامه الأولى في القارب مع حمار وحشي مجروح، وضبع شرس، وإنسان الغاب ونمر بنغالي ضخم يدعى ريتشارد باركر. ويقوم بدور باي ثلاثة ممثلين مختلفين، فيقدّمون لنا على التوالي باي طفلاً، ثم مراهقًا، ثم بالغًا. ويقوم بالدور الرئيسي لـ«باي» المراهق «سوراج شارما» وهو ممثل جديد.
ويقسم الفيلم إلى ثلاثة أجزاء: في الجزء الأوّل، يصل مؤلّف كندي مجهول (راف سبال) إلى الهند، إلى منطقة «بونديشيري»، ليجد ما يلهمه في الكتابة. وهناك يسمع قصة رائعة من شأنها أن تجعلك تؤمن بالله. فيعود إلى كندا لمقابلة الشهير «باي» (عرفان خان)، بطل هذه القصة. تَرَبى باي كهندوسي، ولكنّ معتقداته تجمع ثلاث ديانات على الأقل: الهندوسيّة والمسيحية (الكاثوليكية) والإسلام. ويؤمن باي بفوائد كلّ منها. وبالنسبة إلى باي، الإيمان بالله هو سبب وجوده. والد باي رجل ملحد ويملك حديقة حيوانات صغيرة في حين أنّ والدته مؤمنة هندوسيّة.
في الجزء الثاني يقدّم لنا باي الشابّ مغادرًا الهند مع عائلته على متن سفينة شحن يابانيّة في طريقها إلى كندا. يسافرون مع حيواناتهم التي باعها الأب إلى حدائق للحيوانات في الولايات المتحدة. وتحصل كارثة عندما تهب عاصفة شديدة تُغرق السفينة فيتوفى الأب والأم والأخ. ويبقى باي وحده على قيد الحياة مع أربع حيوانات تسبح لتعثر على قارب نجاة. وتقوم هذه الحيوانات بأكل أو قتل بعضها بعضًا. وفي نهاية المطاف يبقى باي وحيدًا مع النمر المدعو «ريتشارد باركر». يستخدم باي معلوماته لتعليم ريتشارد باركر كيفية العيش معه، وفي النهاية يحمل الموج القارب إلى جزيرة ينزل إليها كلّ من باي وريتشارد باركر. ولكنّهما يكتشفان أن هذه الجزيرة مليئة بالأعشاب البحرية التي تأكل اللحوم البشريّة. فهي توفر المياه العذبة والمواد الغذائية في النهار ولكنّها تقتل في الليل. بعد اكتشاف هذ المخاطر، يعود كل4 من باي والنمر إلى قاربهما مرّة أخرى.
ويقدّم الجزء الثالث الجوهر الروحيّ للفيلم، حيث يصل القارب إلى جزيرة أخرى من الساحل المكسيكي. ويكون باي قد استنفذ قواه تمامًا وعلى وشك الموت، ولكنّه يخلص ويعيش، في حين نرى قفى ريتشارد باركر، الذي أصبح نحيلاً جدًا، يمشي ويختفي في الغابة دون النظر إلى الوراء أو توديع باي.  بعد ذلك ترسل وزارة النقل اليابانيّة شخصين لمقابلة باي والتحقيق في الحادث معه. لكنهما لا يصدقان قصّته، ويخترعان عوضًا عنها قصةً أخرى، «يمكن للجميع تصديقها.» في كلتا القصّتين عن الأحداث التي أخبرها باي، يعتقد مقدم البرامج الذي أجرى المقابلة مع باي أنّ انسان الغاب ليس سوى والدة باي، وريتشارد باركر هو باي نفسه؛ أما الضبع فهو الطاهي الشرير (جيرار دوبارديو).


لا يمكن أن يثبت أحد حقيقة أيّ من القصّتين، ويختار المؤلّف في النهاية أن يصدّق القصّة الأولى لأنّها «الأفضل». في حين يتساءل المشاهدون هل قصّة باي رمزيّة ترمز لحقيقة ما حدث.


«حياة باي» هو فيلم مدهش، فالإخراج والإنتاج رائعين، ويقدّم للشاشة كتاب «مارتيل» بطريقة ناجحة جدًا. استطاع آنج لي التقاط القدرة الخياليّة في السينما، وهذا الأمر واضح في كلّ الفيلم. فمن المدهش رؤية نمر ضخم في مقدمة الصورة مع صبي صغير في عمقها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المناظر الجوّيّة، فالسماء صافيّة جدًا ويظهر قارب للنجاة وفي داخله نمر ضخم. وتظهر الصورة أبعاد متباينة ومتضادة لأحداث القصة التي تجري.
اختار لانغ لي الصور الثلاثية الأبعاد لفيلمه، ليس فقط لإبهار الجمهور، بل لأنّ الأبعاد الثلاثيّة تضفي بحقّ  شيئًا إلى لغة الفيلم وإلى بعده الروحيّ أيضًا. يكفي أن نتذكّر مشهد التصوير تحت الماء الذي يظهر شفافيّة الماء الذي يحمل القارب والسماء من فوقه، أو مشهد الأمّ المشعّة تحت نور قناديل البحر، والحوت وهو يقفز من الماء. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المشهد الذي يظهر فيه باي يكاد يموت من الجوع. ورغم ذلك يتحدّى النمر ريتشارد باركر، ومشهد ريتشارد باركر وهو يضرب ساقيه على جانب القارب في محاولة للعودة إليه، كلها مشاهد لا تنسى. وكذلك الصرخة المليئة بالإيمان التي أطلقها باي لله خلال العاصفة في المحيط: «ماذا تريد أكثر من ذلك؟»
هذا الفيلم الغني يحرك العواطف ويأسر المشاهد عن سر الصمود الروحي رغم كل الصعاب، وهو يعالج بقوّة مواضيع الصداقة والإيمان والمثابرة على الرغم من وجود مشاهد طويلة في بعض الأحيان. لقد أبقى النمر ريتشارد باركر الشاب باي على قيد الحياة من دون أن يدري، ولكن الله هو الذي أعطى باي سبب وجوده وحياته.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق