الاثنين، 4 يونيو 2012

تنّورة ماكسي لجو بو عيد (لبنان 2012)


في وسط كلّ الضجيج اّلذي ولّده فيلم «تنّورة مكسي» في الصحف، والصرخات المستنكرة  تدنيس المقدّسات، ذهبتُ لمشاهدة الفيلم  وأنا أتوقّع  شيئًا خارجًا عن المألوف، خاصّة وأنّ جيل الشباب من المخرجين اللبنانييّن عوّدنا على الأعمال الجميلة. ولكن يا للأسف، عليّ أن اعترف بأنّني أصبت بخيبة أمل كبيرة. على الرغم من أنّه لا جدل في أنّ جو بو عيد، وهو يألف التقنيّة السينمائيّة ولديه لقطات جميلة غير مألوفة، هو بعيد في رأيي عن  إتقان فنّ صناعة فيلم روائيّ طويل.



بقلم الأب أوليفر بروج أوليفييه اليسوعيّ
نقلته إلى العربيّة بتصرّف جانيت رزق

والفيلم هو قصّة حب تنشأ بين إكليريكيٍّ شابٍّ اقترب موعد سيامته الكهنوتيّة وفتاة جذّابة. وتجري أحداث القصّة في  صيف العام 1982، أي في سنوات الحرب الأهليّة.  والقصة تدور من خلال تخيّل الابن لما عاشه والداه، لأنّهما تزوّجا في نهاية المطاف، بعد أن قرر الإكليريكيّ الشابّ ترك الحياة المكرّسة.
كان من الممكن أن يكون الفيلم مثيرًا للاهتمام، ولكنّي أرى أنّ المخرج لم يصب الهدف. لقد أراد أن يعرض معرفته للتقنيّات السينمائيّة والتشبّه بكبار المخرجين من خلال استعمال لقطات من أعمالهم، وذكّرنا بكلّ من نادين  لبكي ، وكوستوريكا (Kusturica)، وتورناتوري (Tornatore) ، والمودوفار (Almodovar). والمشاهد التي تذكرنا ب« مالينا لجوزيف تورناتوري »(Malena de Giuseppe Tornatore 2000) واضحة جدًّا، وقد تنبّه العديد من المشاهدين لهذا الأمر. ولكنّ هذا لا يكفي لصناعة فيلم جيد.
أوّلاً، يفتقر الفيلم إلى تصميم يتمحوّر على نقطة أساسيّة تضفي إليه حبكة متكاملة. فالممثلان الرئيسيّان لا يتكلّمان تقريبًا. صحيح أنّه يمكن لهذا الأمر أن يكون ميزة، لأنّه ينبغي للغة الفيلم أن ترتكز في المقام الأوّل على الصورة، ولكن شريطة أن تكون الصورة معبرة كيّ يفهم المشاهد مشاعر الأشخاص وردود أفعالهم. ولكن لدينا في هذا الفيلم  شخصين جامدين، وتمَّ تصويرهما في غالب الأحيان من مسافة قريبة جدًّا، وبالرغم من ذلك لا نستطيع أن نرى على وجهيهما أيّ مشاعر. مما يجعل هذه السلسلة الطويلة من اللقطات القريبة مملّة بعد وقت قصير. وكذلك بالنسبة إلى سلسلة من المشاهد لأشخاص جالسين لا يتحدّثون (لا صوت) وفي خلفيّة جلستهم نسمع  صوت المعلق.
ثانيًا، أراد الفيلم أيضًا استخدام اللغة الرمزيّة، ولكنّه وقع في فخّ التفكير السطحيّ الّذي يعبّر عنه معظم الناس وهذا يبدو لي تافهًا. فعلى سبيل المثال: نرى الإكليريكيّ الشابّ يصلّي في الكنيسة أمام تمثال العذراء بينما تطير طرحة بيضاء وراءه (وهذا كلّه في ضوء «خافت»)، أو الإكليريكيّ الشابّ نفسه يصلّي في الكنيسة (وهذه المرّة نراه مواجهةً) ووراءه النيران المشتعلة (التجربة). ونعلم أنّ  رقصة الفلامنكو تشير إلى الإثارة، ولكن  ما الذي تفعله راقصات الفلامنكو في الكنيسة؟ وفي خيال شابٍّ من قرية لبنانيّة؟  ربما، كان هذا المشهد مناسبًا لفيديو-كليب ، ولكنّه يخرج في الفيلم  تمامًا عن سياق الموضوع.
باختصار، أجد أنّ الفيلم مملّ ويفتقر إلى الوضوح والعمق. لا يوجد أيّ تطور لدى الشخصيّات الرئيسيّة. وأقول إنّها فرصة ضائعة لمعالجة موضوع كان من الممكن أن يكون مثيرًا للاهتمام فعلاً.
وبالنسبة إلى كلّ الضجيج الّذي أثاره الفيلم والمطالبة بتوقيفه وسحبه من صالات السينما، أجد أنّ الأمر مؤسف حقًّا. فبرأيي، أولاً، ليس صحيحًا أنّ الفيلم يقلّل من احترام الدين أو الكنيسة، لأنّه بالنسبة إلى الّذين يفهمون لغة السينما، من الواضح أنّ بعض الأعمال لم تحدث إلّا في مخّيلة الشخصيات (الإكليريكيّ الشابّ والفتاة الفاتنة). وقد برزت المشكلة ذاتها عند إطلاقة  فيلم «الإغواء الأخير للمسيح» للمخرج الكبير مارتن سكورسيزي. فهل من  خطر في اظهار إكليريكيٍّ شابٍّ، لم يصبح بعدُ كاهنًا، لديه شهوات جسديّة، فيحاول من خلال ذلك التمييز بأنّ الله يدعوه إلى الزواج لا إلى الكهنوت؟ هل في هذا الأمر خطيئة أو عار؟
متى سنبادل هذا الموقف الّذي يمنع كلّ ما نراه نقدًا موجهًا للكهنة والكنيسة والمسيحيين أو إلى أيّ سلطةٍ كانت بموقف يأخذ الوقت ليلقّن الناس كيف يكون لديهم حسّ نقديّ لما يرونه في وسائل الإعلام؟  إنَّ الوثائق الكنسيَّة في العقود الأخيرة  تتحدّث باستمرار عن أهمّيّة تدريب الناس حتّى يتمكّنوا من تقييم ما تقدّمه لهم  وسائل الإعلام من الإيجابيّات والسلبيّات.
كان يجب أن تعلّمنا تجربة « دافنشي كود» للكاتب دان براون أنّ إثارة ضجيج  شديد لمنع الكتب أو الأفلام، يجعلنا نقدّم لها دعاية مجّانيّة، ونضمن أنّ يقبل عدد كبير من الناس إلى مشاهدة الفيلم أو شراء الكتاب. علينا ألّا ننسى أنهّ من السهل اليوم تحميل الكتب والأفلام من شبكة الإنترنت. وأعتقد أنَّه لولا الضجة التي أثرناها عن الفيلم، ما كان له أن يلقى نجاحًا كبيرًا.


بقلم الأب أوليفر بروج أوليفييه اليسوعيّ
نقلته إلى العربيّة بتصرّف جانبت رزق

هناك تعليق واحد:

  1. نقد رائع لفيلم من المفروض انه يعكس واقع انسان يعيش التمييز بصدق مع ذاته و تحت نظر الله

    ردحذف