السبت، 19 مايو 2012

فيلم: رجال وآلهة


فيلم لكزافييه بوفوا فرنسا 2010

الجائزة الكبرى للجنة التحكيم – كان 2010

جائزة لجنة التحكيم المسكونية، جائزة التربية الوطنية

المدة: 122 دقيقة

الممثلون: لامبرت ويلسون، ميكايل لونسدال، أوليفييه رابوردين، فيليب لودنباخ، جاك هيرلن، لويك بيشون، كزافييه مالي، جان ماري فرين، عبد اللطيف ميتالسي، سابرينا أوازاني

بقلم الأب أوليفر بورج أوليفييه
نقلها إلى العربيّة نُهاد فرح


رجال وآلهة هو فيلم حقق نجاحاً غير متوقع في فرنسا وأماكن أخرى أيضاً. وقد لاقى الكثير من الإعجاب والتهليل لدى غالبية النقاد، كما أن الصالات التي يُعرض فيها هذا الفيلم لا تزال تكتظ بالمشاهدين.

يقول لنا نويل ميغاهاي في Cine- vu : " ما هو منعش وفريد بخصوص نجاح فيلم " رجال وآلهة " هو ليس لأنه فيلم تجريبي أو طموح بشكل خاص، لكن لأنه يبتعد بالأحرى عن ما يتم تقديمه لإرضاء الجماهير وأيضاً عن الميلودراما السينمائية. منطلقاُ من وقائع حقيقية – وقائع يبدو أنها تتطلب نوعاً من النهج الشعبوي- نجح بوفوا بأن يُبرز الحقيقة الأساسية والجمال في هذا الفيلم، وأن يحميه في الوقت نفسه من العناصر المحرجة والغير مرغوب فيها والتي يمكن أن تُنقص من قوته ".

رجال وآلهة مستوحى من قصة حقيقية لجماعة صغيرة من الرهبان الكرتوسيين عاشوا في التسعينات في مدينة تيبحرين (Thibhirine) بالجزائر. وجدت هذه الجماعة الرهبانية نفسها وقد أُدخلت في النزاعات السياسية التي حدثت في البلاد في هذه الفترة، إذ اعتبر الرهبان بأن من واجبهم أن يدعموا القرويين بوجودهم بينهم، وأن يقدموا المعونة الطبية اللازمة للمتألمين منهم بسبب الأزمات المحلية والحرب القائمة بين الجيش الوطني والأسلاميين الأصوليين. لقد أظهرت الفظاعات التي ارتُكبت ضد عمال كرواتيين في المنطقة أنه من الخطر بقاء الأجانب وغير المسلمين فيها، إلا أن الرهبان كانوا يخاطرون بأن يجلبوا على أنفسهم غضب الأصوليين في شهادتهم لإيمانهم المسيحي من جهة، وأيضاً غضب الجيش الجزائري الذي كان يقلقه ليس فقط مسألة وجودهم في المنطقة والذي يشكل هدفاً الإرهابيين، ولكن أيضاً من إحتمال أن الدير يقوم بتقديم المعونة لهم عن طريق العناية بجرحاهم.

إن مجيء الإرهابيين إلى الدير في إحدى الليالي، وتهديداتهم للرهبان، زرع لديهم أزمة عميقة وكان من الضروري إعادة النظر في الحياة المشتركة داخل هذه الجماعة الرهبانية. لقد كان من السهولة بمكان معالجة الإنقسام في الآراء في موقف كهذا والخيارات التي واجهها الرهبان بطريقة مبسَّطة – هل يتوجب عليهم البقاء أم الرحيل؟... لكن الأسلوب الذي تعامل فيه بوفوا مع هذا الخيار من خلال الحياة الفعلية للرهبان، تم تفصيله أكثر بكثير من ذلك؛ فقد أخذ بعين الإعتبار الشخصيات المختلفة لكل من هؤلاء الرهبان وجهودهم الرامية إلى الإندماج بالمجتمع الجزائري عن طريق قراءتهم ودراستهم للقرآن الكريم، التأثير الذي قد يحصل من جراء رحيلهم على حياة القرويين، والأسئلة الأخلاقية التي تُطرح من خلال معالجتهم وعنايتهم بالجرحى الإرهابيين.

لا يحاول بوفوا أن يقدم لنا رجالاً كاملين، ولا يقدم لنا رؤية روحانية ومثالية للحياة الرهبانية، ولا حتى حياة بطولية. إننا نجد أنفسنا أمام رجال خائفين، يغريهم عدم البقاء في هذا المكان، بالإضافة إلى الإنقسام في الآراء والشك، وهم يبحثون معاً عن جواب لتساؤلاتهم. إن إحدى اللحظات الرائعة خلال هذا الفيلم هي عندما يقوم الأخ كريستيان، الذي يترأس هذه الجماعة الرهبانية، بطرح السؤال: من منكم يريد الرحيل؟... ويجيب عدد من الرهبان، وهم لا يزالون تحت صدمة الزيارة الليلية للإرهابيين، بأنهم يفضلون الرحيل، الذهاب إلى أماكن أكثر أماناً، أكثر هدوءاً. وعندما جاء دور أحد الرهبان وهو الأكبر سناً، الأخ أميديه، قال: " لا أعلم بعد، يجب أن أفكر أكثر وعلينا أن نصلي ". يتبنى الأخ كريستيان هذا الجواب، وانطلاقاً منه كان ما عملت به الجماعة الرهبانية.

في النهاية، وبالرغم من المخاوف والشكوك، بالرغم من الصمت الظاهر لله، قررت الجماعة الرهبانية البقاء، حتى ولو أنهم كانوا يعلمون جيداً أنهم يخاطرون بحياتهم، وفي الواقع فقد تم قتل سبعة رهبان من بينهم. يقول فيلم بوفوا أن موتهم يبقى غامضاً، بما أننا لا نعلم بعد مَن هم الذين قتلوهم: الجيش أم الإرهابيين. ويبدو اليوم أن هناك أدلة ووقائع كافية تمكننا من القول بأن الجيش هو الذي كان وراء جرائم القتل هذه.

ويضيف جان غوني في Cinemasmag.com : إنه من الصعب دائماً أن نستحضر بواسطة الخيال الأحداث المؤلمة في التاريخ المعاصر، خاصة عندما تكون الوقائع تحمل طابع اللغز الذي لم يتم حلّه بعد. بالإضافة إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالإيمان الديني ورجال الكنيسة، فحتى ولو ترفعنا عن الكلام حول العقائد والمعتقدات، يبقى هناك الكثير من التحدي! لكن فيلم " رجال وآلهة " هو قبل كل شيء عمل سينمائي، والميزات التصويرية الرائعة التي قام بها كزافييه بوفوا هي التي تعطيه كل هذه القوة وهذه الروعة ".

لا يستخدم بوفوا المؤثرات الخاصة، إنه يتجنب كافة التقنيات التجميلية ويتميز أسلوبه بالبساطة التي تتميز بها حياة الرهبان، وبالطريقة العملية التي تتناسب مع الوقائع والإهتمامات اليومية التي تقوم عليها حياة الرهبان والقرويين. وكما يقول الأخ كريستيان بخصوص الأزمة التي مرّت عليهم، وتساؤلاتهم، " إن خلاصنا كان بأنه علينا أن نقوم بكل هذا الواقع اليومي: الطبخ، أعمال الحديقة، القداس، قرع الجرس، يوماُ بعد يوم. وكان علينا أن نكون منزوعي السلاح، يوماُ بعد يوم. أعتقد... أننا اكتشفنا ما يدعونا إليه يسوع المسيح: الولادة الجديدة، هويتنا كأشخاص يذهبون من ولادة إلى ولادة ". وفي العمق، فإن هذه الولادة هي ما يتكلم عنه الفيلم، ولادة هي ثمرة الحب والموت عن الذات.

في بداية الفيلم، يدور حوار رائع جداُ حول الحب، بين الأخ لوقا الطبيب الكبير في السن وبين شابة قروية جزائرية، وفي وسط هذا الحوار نسمع تلاوة لنص نشيد المحبة للقديس بولس، وينتهي الفيلم مع الوصية الروحية للأخ كريستيان. أعتقد أنه يمكننا القول بأن مفتاح قراءة هذا الفيلم هو الحب، وبحسب رأيي فإن الفيلم يرصد بالتناوب الحياة اليومية للرهبان والقرويين من خلال لقاءات الجماعة الرهبانية التي يتناقش فيها الأخوة ساعين إلى التمييز، وحياتهم اليومية التي تقوم على الصلاة والليتورجيا حيث تظهر بوضوح مركزية الإفخارستيا في حياة الصلاة الجماعية والشخصية التي يعيشونها.

إن أحد العناصر الأساسية في اللغة السينمائية للفيلم هو الموسيقى التصويرية، التراتيل الليتورجية جزء لا يتجزأ من القصة فهي تكلمنا عن الحالة الروحية للرهبان، ويكفي أن نتذكر ذلك المشهد الرائع حيث الرهبان في الكنيسة غارقين في صمت مطلق، يسمعون فجأة صوت هدير طائرات الهليوكوبتر الحربية التي تصم الآذان، فيقف الأخ كريستيان ويبدأ بترتيل ترنيمة تتكلم عن الله النور الذي في الظلام، الله الذي من أجله يًضيء الليل كالنهار، فيقف باقي الرهبان ويشكلون في ما بينهم نصف دائرة وهم يساندون بعضهم البعض في صورة رائعة للمؤازرة والدعم الأخوي.

هناك مشهد آخر من القوة بمكان في هذا الفيلم، وقد لاحظه الكثير من النقاد – لأنه يستحق ذلك –وهو ما يمكن تسميته بالعشاء الأخير، العشاء النهائي لهذه الجماعة الرهبانية. ما يجعل من هذا المشهد بشكل مدهش كأداة تنقية وتطهير فيما يخص الرهبان، وعلى الأغلب في ما يخص المشاهدين أيضاً، هو أنه ( كما يقول دارمندار سينغ من المجلة السكوتلندية Scottish Review) هو أن "خصوصيته تدمِّر القدرة على التنبؤ به ". الرهبان يتناولون طعامهم بينما تلعب موسيقى " بحيرة البجع " في خلفية المشهد، وكأن أول فصول " الغسل " تتراءى على وجوه الرهبان لتسمح لتفاعلهم الصامت معها بالتعبير عن خلود تلك المشاعر.

يبقى بوفوا من خلال إختياره للبساطة، وفياً لهذا المبدأ حتى نهاية الفيلم، ويتجنب بذلك خاتمة دراماتيكية أو ميلودرامية، إذ نرى الرهبان والذين أخذوهم كرهائن يختفون من خلال الضباب، ثم نقرأ بعد ذلك بأنهم قتلوهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق